الخميس

اسرع الي التوبه ولا تسوف


!الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديدالعقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة
والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنامحمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
أكثر الناس لا يعرفون قدرالتوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام بها علماً وعملاً. وإذا عرفوا قدرها فهم لايعرفون
الطريق إليها، وإذا عرفوا الطريق فهم لايعرفون كيف يبدءون؟
لنقف على حقيقة التوبة، والطريق إليها عسى أن نصل إليها.
كلنا ذو اخطاء
كلنا مذنبون... كلنا مخطئون.. نقبل على الله تارة وندبرأخرى، نراقب الله مرة، وتسيطر علينا الغفلة أخرى، لا نخلو من
المعصية، ولا بد أن يقع منا الخطأ، فلسنا بمعصومين { كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } [رواهالترمذي
وحسنه الألباني].
والسهو والتقصير من طبع الإنسان، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن يفتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال
عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي.. ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته عن طلب التقرب من
ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته.
أين طريق النجاة؟
قدتقول: إني أطلب السعادة لنفسي،وأروم النجاة، وأرجو المغفرة، ولكني أجهل الطريق إليها، ولا أعرف كيف ابدأ؟ فأنا
كالغريق يريد من يأخذ بيده، وكالتائه يتلمسالطريق وينتظر العون، وأريد بصيصاً من أمل، وشعاعاً من نور. ولكن أين
الطريق؟
والطريق واضح كالشمس، ظاهر كالقمر، واحد لا ثاني له... إنه طريق التوبة.. طريق النجاة، طريق الفلاح..
طريق سهل ميسور، مفتوح أمامك في كل لحظة، ما عليك إلا أن تطرقه،وستجد الجواب: (وإني لغفار لمن تاب وءامن
وعمل صالحاً ثم اهتدى) [طه:82]. ان الله تعالى دعا عباده جميعاً مؤمنهم وكافرهم الى التوبة، وأخبر أنه سبحانه يغفر
الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت، ومهما عظمت،وإن كانت مثل زبد البحر، فقال سبحانه قل يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمةالله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53].
ولكن.... ما التوبة؟
التوبة هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً.. وهي اسم جامع لشرائع
الإسلام وحقائق الإيمان.. هي الهدايةالواقية من اليأس والقنوط، هي الينبوع الفياض لكل خير وسعادة في الدنيا
والآخرة... هي ملاك الأمر، ومبعث الحياة،ومناط الفلاح... هي أول المنازل وأوسطها وآخرها... هي بداية العبد ونهايته...
هي ترك الذنب مخافة الله، واستشعار قبحه،والندم على فعله، والعزيمة على عدم العودة إليه إذا قدر عليه... هي شعور
بالندم على ما وقع، وتوجه إلى الله فيمابقي، وكف عن الذنب.
ولماذانتوب؟
قد تسال : لماذا أترك السيجارة و أنا أجد فيهامتعتي؟... لماذا أدع مشاهدة الأفلام الخليعة وفيها راحتي؟
ولماذا أتمنع عن المعاكسات الهاتفية وفيها بغيتي؟ ولماذا أتخلى عن النظر الى النساء وفيه سعادتي؟ لماذا أتقيد بالصلاة
والصيام وأنا لا أحب التقييد والارتباط؟... ولماذا ولماذا... أليس ينبغي على الإنسان فعل ما يسعده ويريحه ويجد فيه
سعادته؟... فالذي يسعدني هو ما تسميه معصية... فلِمَ أتوب؟
وقبل أن أجيبك على سؤالك لابد أن تعلم ان في توبتك سعادتك : تب لأن التوبة:
1- طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى، فهو الذي أمرك بها فقال يا أيها الذين ءامنوا توبوا الى الله توبة نصوحاً [التحريم:8]. وأمر
الله ينبغي أن يقابل بالامتثال والطاعة.
2- سبب لفلاحك في الدنيا و الآخرة، قال تعالى وتوبوا الى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) [النور:31]. فالقلب لا
يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ، ولا يسر ولا يطمئن ؛ ولا يطيب ؛ إلابعبادة ربه والإنابة إليه والتوبة إليه.
3- سبب لمحبة الله تعالى لك، قال تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [البقرة:222]. وهل هناكسعادة يمكن
أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تابإليه؟!
4- سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون)
غياً، إلا من تابوءامن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً) [مريم:59،60]. وهل هناك مطلب للإنسان
يسعى من أجله إلا الجنة؟!
5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمدادبالأموال والبنين، قال تعالى ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبواإليه
يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة الىقوتكم ولا تتولوا مجرمين) [هود:25]، وقال فقلت استغفروا ربكم إنه كان
غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) [نوح:10-12].
6- سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها الى حسنات، قال تعالى يا أيها الذين ءامنوا توبوا الى الله توبة نصوحا ً عسى ربكم أن
يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) [التحريم:8]، وقال سبحانه إلا من تاب وءامن وعمِل عملاً
صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً)[الفرقان:70].
ألا تستحق تلك الفضائل – وغيرها كثير – أن تتوب من أجلها؟ لماذا تبخل على نفسك بما فيه سعادتك؟.. لماذا تظلم
نفسك بمعصية الله وتحرمها من الفوزبرضاه؟...جدير بك أن تبادر الى ما هذا فضله وتلك ثمرته.
قدّم لنفسك توبة مرجوة *** قبل المماتوقبل حبس الألسن
بادر بها غُلق النفوس فإنها *** ذخروغنم للمنيب
كيف أتوب؟
كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع إلى خالقها، تريد الأوبةإلى فاطرها، لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع
الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف صنوف المحرمات... ولكنهامع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين تبدأ؟
وأقول لك: إن الله تعالى إذا أرادبعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه وتعينه عليه، وها أنا أذكر لك بعضالأمور
التي تعينك على التوبة وتساعدكعليها:
1- أصدق النية وأخلص التوبة: فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه اللهوأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات
التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً للهاستولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء
والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا
المخلصين) [يوسف:24].
2- حاسب نفسك: فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما
فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبدعلى التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها.
3- ذكّر نفسك وعظها وعاتبهاوخوّفها: قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرهابموت فلان
وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين أن يأتيك ملك الموت
وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة
وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من الله
فتئوب إليه وتتوب.
4- اعزلنفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل
تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: { إن قومك قوم سوء، وإن في أرضالله كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله
معهم }.
5- ابتعد عن رفقةالسوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهمالشياطين تؤزهم الى
المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك،وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت
تمر منه... ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: { الرجل على دينخليله، فلينظر أحدكم من يخالل } [رواه أبو داود والترمذي
وحسنه الألباني].
6- تدبّر عواقب الذنوب: فإنالعبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاهذلك إلى
ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى الله إن كان اقترف شيئاًمنها.
7- أَرِها الجنة والنار:ذكّرهابعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد اللهفيها لمن عصاه.
8- أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدةوالفراغ: فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلىالانحراف
والشذوذ والإدمان، ويقود إلى رفقة السوء.
9- خالف هواك: فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أرءيت من اتخذ إلهه هواه [الفرقان:43]. فلابد لمن
أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم،ولا ينساق وراء هواه.
10- وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ماذُكر منها: الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله
واستغفاره، وقصر الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصةفي البداية، إلى غير ذلك من الأمور التي تعينك على التوبة.
شروط التوبةالصادقة:
وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتىتكون صحيحة مقبولة وهي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى: فيكونالباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف من عقابه، لاتقرباً
الى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة، ولهذا قالسبحانه: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا
دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) [النساء:146]
ثانياً: الإقلاع عن المعصية: فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة. أما إن عاود الذنب بعدالتوبة
الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج الى توبته جديدةوهكذا.
ثالثاً: الاعتراف بالذنب: إذ لا يمكن أن يتوب المرء منشئ لا يعده ذنباً.
رابعاً: الندم على ما سلف منالذنوب والمعاصي: ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه منالمعاصي،
لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهىبها، ولهذا قال : { الندم توبة } [رواه حمد وابن ماجة
وصححه الألباني].
خامساً: العزم على عدمالعودة: فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع الى الذنب بعد التوبة، وإنما عليه أنيتوب من الذنب
وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستقبل.
سادساً: ردّ المظالم إلى أهلها: فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها إذاأراد
أن تكون توبته صحيحة مقبولة ؛ لقول الرسول : { من كانت عنده مظلمة لأحد من عرض أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل
ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عملصالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه
فحمل عليه } [رواه البخاري].
سابعاً: أن تصدر في زمنقبولها: وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، وقال : { إن الله يقبل توبة العبد ما
لم يغرغر } [رواه أحمد والترمذيوصححه النووي]. وقال: { إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يدهبالنهار
ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } [رواه مسلم].
علامات قبو ل التوبة
وللتوبة علامات تدل على صحتها وقبولها،ومن هذه العلامات:
1- أن يكون العبد بعد التوبةخيراً مما كان قبلها: وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه، فمن كان بع التوبة مقبلاً علىالله،
عالي الهمة قوي العزيمة دلّ ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها.
2- ألا يزال الخوف من العودة إلى الذنب مصاحباً له: فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر حتى يسمع
الملائكة الموكلين بقبض روحه: (ألا تخافواولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) [فصلت:30]، فعند ذلك يزول خوفه
ويذهب قلقه.
3- أن يستعظم الجناية التي تصدرمنه وإن كان قد تاب منها: يقول ابن مسعود رضي الله عنه: { إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه
قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجريرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال له هكذا }. وقال بعض السلف: (لا
تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى منعصيت).
4- أن تحدث التوبة للعبدانكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه: وليس هناك شئ أحب الى الله من أنيأتيه عبده
منكسراً ذليلاً خاضعاً مخبتاً منيباً، رطب القلب بذكر الله، لاغرور، ولا عجب، ولا حب للمدح، ولا معايرة ولا احتقار للآخرين
بذنوبهم. فمن لم يجد ذلك فليتهم توبته، وليرجع الىتصحيحها.
5- أنيحذر من أمر جوارحه: فليحذر من أمر لسانه فيحفظه من الكذب والغيبة والنميمةوفضول الكلام، ويشغله بذكر الله
تعالى وتلاوة كتابه. ويحذر من أمر بطنه، فلا يأكل إلا حلالاً. ويحذر من أمر بصره، فلا ينظر الى الحرام، ويحذر من أمر سمعه،
فلا يستمع الى غناء أو كذب أو غيبة، ويحذر من أمر يديه، فلايمدهما في الحرام، ويحذر من أمر رجليه فلا يمشي بهما
الى مواطن المعصية، ويحذر من أمر قلبه، فيطهره من البغض والحسدوالكره، ويحذر من أمر طاعته، فيجعلها خالصة لوجه
الله، ويبتعد عن الرياء والسمعة.
احذرالتسويف
إن العبد لا يدري متى أجله، ولا كم بقي من عمره، ومما يؤسفأن نجد من يسوّفون بالتوبة ويقولون: ليس هذا وقت
التوبة، دعونا نتمتع بالحياة، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب. إنهاأهواء الشيطان، وإغراءات الدنيا الفانية، والشيطان يمني
الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك. فالبدار البدار... والحذرالحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل، فإنه لولا طول
الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
فسارع الى التوبة، واحذرالتسويف فإنه ذنب آخر يحتاج الى توبة، والتوبة واجبة على الفور، فتب قبل أن
يحضر أجلك وينقطع أملك، فتندم ولا ينفع ساعتها الندم فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك، وتنقطع أنفاسك، وتنصرم لياليك.
تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً
قال تعالى (بل ران على قلوبهم )
وطبعاً فلا يقبل المحو، تب قبل أن يعاجلك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة.
لا تغتر بستر الله وتوالي نعمه
اسال الله ان تنتفع بما كتب وان تعاجل الى التوبه دون تسويف
اسال الله لكم التوفيق والسداد والتوبه النصوح وان يتقبل الله منكم التوبه وصالح الاعمال وان يجنبكم الشيطان ووسوسته وكيده واغواءه


المؤمنة بالله


منقوول


السبت

ألا تخاف الله؟!


ألا تخاف الله؟!

ألا تخاف الله؟!

لقد وصف الله عزَّ وجلَّ العذاب في كتابه؛ لكي يتحقق الخوف في نفوس العبـــاد .. فقال تعالى {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16]
ولازال يُرسِل بالآيــــات الكونية من زلازل وأعاصير وحوادث وموت فجأة؛ حتى نرتدع وننزجر .. قال تعالى {..وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]
كيف لا نخـــــاف الله عزَّ وجلَّ وقد حذرنا من نفسه؟!
يقول الله عزَّ وجلَّ {..وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] .. فلو عرفت مدى إنتقام الله عزَّ وجلَّ، لما سوَّلت نفسك لك بالوقوع في المعصية، ولِما ترددت في طريقك إلى ربِّك، ولكنت أتعظت بالنصائح والمواعظ، ولِما عُدت لعاداتك ومألوفاتك ..

فنحن بحاجة لأن نُشرِّب قلوبنـــا معاني الخوف من الله سبحانه وتعالى ..
باستشعار الأمور التاليــــة:
أولاً: الخوف من عقوبة ذنوبك ومعاصيك ..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله “لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد” [متفق عليه]
وقال ابن المبارك “من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيرًا، ثم لا يبالي، ولا يحزن عليه ” [شعب الإيمان (2:271)] .. وعن ابن مسعود قال “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه” [صحيح البخاري (6308)]
وعن ابن عباس أنه قال كلمات ينبغي علينا جميعًا أن نحفرها في قلوبنا، قال “يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، وقلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب” [الجواب الكافي (2:57)] ..
نسأل الله العفو والعافية ..

عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله قال “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه” [رواه أحمد وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2471)]
فإيــــــــاك ومُحقرات الذنـــــوب ..
ثانيًا: الخوف من مكر الله .. فإن كنت تقع في الذنوب، ومع ذلك مازال الله عزَّ وجلَّ يبعث إليك بنِعَمَهُ .. وقد قال تعالى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] ..
فاحذر أن يكون ذلك استدراجًا يوقعك في سوء الخـــــاتمة ..
مالك لا تخـــــاف والقبر منزلك؟!!
عن محمد بن مالك عن البراء قال:  كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال “يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا“ [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
وعن عبد الله بن المديني قال : كان لنا صديق فقال: خرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب مقبرة فصليت المغرب قريبا منها، فبينما أنا جالس إذ سمعت من جانب القبور أنينًا، فدنوت إلى القبر الذي سمعت منه الأنين وهو يقول : آآآآآآآه قد كنت أصوم، قد كنت أصلي .. فأصابني قشعريرة، فدعوت من حضرني فسمع مثل ما سمعت ومضيت إلى ضيعتي، ورجعت يعني في اليوم الثاني، وصليت في موضعي الأول وصبرت حتى غابت الشمس وصليت المغرب ثم استمعت إلى ذلك القبر فإذا هو يئن ويقول: آآآآآآه قد كنت أصلي، قد كنت أصوم، فرجعت إلى منزلي ومرضت بالحمى شهرين.
ويقول ابن حجر الهيثمي: قد وقع لي نظير ذلك، وذلك أني كنت وأنا صغير أتعاهد قبر والدي رحمه الله للقراءة عليه فخرجت يومًا بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان، بل أظن أن ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر، فلما جلست على قبره وقرأت شيئًا من القرآن ولم يكن بالمقبرة أحد غيري، فإذا أنا أسمع التأوه العظيم والأنين الفظيع بآآآآآآآه آآآآآآآآآه آآآآآآآآآه … وهكذا بصوت أزعجني من قبر مبني بالنورة والجص له بياض عظيم، فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوهًا عظيمًا بحيث يقلق سماعه القلب ويفزعه فاستمعت إليه زمنًا، فلما وقع الإسفار خفي حسه عني، فمر بي إنسان فقلت: قبر من هذا؟، قال: هذا قبر فلان لرجل أدركته وأنا صغير، وكان على غاية من ملازمة المسجد والصلوات في أوقاتها والصمت عن الكلام .
وهذا كله شاهدته وعرفته منه فكبر عليَّ الأمر جدًا لما أعلمه من أحوال الخير التي كان ذلك الرجل متلبسا بها في الظاهر، فسألت واستقصيت الذين يطلعون على حقيقة أحواله فأخبروني أنه كان يأكل الربا، فإنه كان تاجرًا ثم كبر وبقي معه شيء من الحطام، فلم ترض نفسه الظالمة الخبيثة أن يأكل من جنبه حتى يأتيه الموت بل سوَّل له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى لا ينقص ماله ..
فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان .. حتى في ليلة القدر! [الزواجر عن اقتراف الكبائر (1:31,32)]
نعوذ بالله من عذاب القبر الناشئ عن غضب الله ومعصيته،،
ثالثًا: الخوف من عذاب النـــــار ..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله “ما رأيت مثل النار، نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها” [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن رسول الله أنه قال لجبريل “ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكا قط؟”، قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار. [رواه أحمد وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب (3664)]
عن أبي مهدي قال: ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبا ينادي:
النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ..
ثم يتوضأ ويقول على أثر وضوئه:
اللهم إنك عالم بحاجتي غير مُعلَّم وما أطلب إلا فكـــاك رقبتي من النـــار. [التخويف من النار (1:44)] ..
فعليك أن تتعلم هذا الدعـــاء، وتُكثر من الدعاء به ..
أتعلم من هم أشد الناس عذابًا في النار؟
إنهم المتكبرون ..
يقول النبي “يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال” [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
والكبر لا يقتصر على التعالي على الناس فقط، فقد قال رسول الله “الكبر بطر الحق وغمط الناس” [صحيح مسلم] .. فإنه يشمل أيضًا التكبر على الحق وعدم قبوله .. كمن يُدمن أي نوع من المعاصي ثمَّ يعرف بحرمانيته، ويظل يكابر ويصر على هذه المعصية.
ألا تخـــــاف أن يكون المصير غمسة في النـــــار؟!
نسأل الله أن يعتِق رقـــابــنا من النار،،
فاحرص على تلك الأعمال التي تُدخل الخوف والإيمان في قلبك:
1) عَدِد جميع معاصيــــك .. فاجعل لك دفترًا خاصًا بتسجيل ذنوبك .. وكلما وقعت في ذنب، اكتبه فيه وتُب منه في الحال .. واعلم أن الذنوب لا تقتصر على الذنوب الظاهرة فقط، كإطلاق البصر والغيبة والنميمة وغيرها .. بل عليك أن تكتب أيضًا الآفات القلبية، كالكبر والعُجب والحسد فإنها من المُهلكـــات ..
وهكذا كتابتك لذنوبك، ستجعلك تُجدد التوبة من ذنوب لم تكن تلتفت لها من قبل ..
ولا تنظر إلى صِغَر الذنب، ولكن انظر إلى عِظَم من عصيت،،
2) احذر من ذنوب الخلوات .. وابتعد عن كل الأسبــــاب التي تجعلك تقع في تلك الذنوب، وغيِّر البيئة الفاسدة التي تدفعك لذلك ..
فضع خط أحمر بينك وبين ذنوب الخلوات،،
3) الإكثــــار من زيـــــــارة القبــــور .. قال رسول الله “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ..” [رواه الحاكم وصححه الألباني، صحيح الجامع (4584)] .. فعليك أن تحرص على زيارة القبور واستشعر أنه سيكون مسكنك عما قريب ..
اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النار،،
4) سماع مواعظ القرآن .. فعليك أن تتأمل وتتدبر الآيـــات التي تبعث الخوف من الله عزَّ وجلَّ في النفوس ..
عن ابن عمر قال: قال رسول الله “من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: {إذا الشمس كورت} و{إذا السماء انفطرت} و{إذا السماء انشقت}” [رواه الترمذي وصححه الألباني]
ويقول ابن الجوزي “والله لو أن مؤمنًا عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الكرسي وسورة الإخلاص بتفكير وتدبر، لتصدع من خشية الله قلبه وتحير في عظمة الله لبه” [التذكرة في الوعظ (1:73)].
5) إدمان النظر إلى السمـــاء .. فإن الإكثــــار من التأمل في خلق الله سبحانه وتعالى، يبعث الرقة في القلب ويورث التعظيم والإجلال والمحبة والشوق لله سبحــــانه وتعالى.
6) مطالعة سيرة النبي وأحوال الصحابة والصالحين مع الخوف ..
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ..} [الإنسان: 1] حتى ختمها، ثم قال “إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا ملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”، قال أبو ذر: “والله لوددت أني شجرة تعضد”. [رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3380)]
وعن القاسم قال: كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها. فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] وتدعو وتبكي وترددها. فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي. [صفة الصفوة (1:319)]
وكان في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء، وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه، فُيحمل صريعًا إلى منزله، فيعاد أيامًا ليس به مرض إلا الخوف .. عن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض، فقال: “ليتني كنت هذه النبتة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئًا، ليتني كنت نسيًا منسيًا” [صفة الصفوة (1:107)]
7) كثرة الدعــــــــــــاء ..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: ” اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ..” [حسنه الألباني، الكلم الطيب (226)]
فاللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك،
ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ،،
طرق تحقيق الخوف
من الله تعالى في النفوس

منقوووووووووول

كيف لا تبكى من خشيه الله ...............

كلام الله جل جلاله ألا وهو القرآن الكريم الذى لو أنزله الله على جبل لتصدع الجبل من خشية الجليل قال سبحانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر.

كيف تخشع الجبال للقرآن ولا تخشع القلوب؟ سؤال مرير كيف تتصدع الجبال للقرآن ولا تتحرك له القلوب: ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: ميت القلب فهذا لو سمع القرآن كله ما تدبر وما تأثر.

الصنف الثانى: حى القلب لكنه معرض عن القرآن، حى القلب لكنه لا يسمع بأذن رأسه ولا بأذن قلبه لآيات الله المتلوة، ومن ثم هو لا يتأثر البتة بآيات الله المتلوة والمرئية فى الكون؛ لأنه معرض بسمعه وقلبه عن الله جل وعلا هؤلاء هم أهل
الغفلة عياذا بالله.

الصنف الثالث: حى القلب منتفع بالآيات المتلوة والمرتبة قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. فرجل حى القلب ومع ذلك إذا سمع من الله أصغى بسمعه واستجمع كل كيانه وكل جوارحه بإنصات وخشوع ليسمع عن الله إذا سمع ربه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } (1) سورة المائدة. أصغى بسمعه وانتبه غاية الأنتباه لأن الذى ينادى عليه ربه، فإما خيراً سيأمر به وإما شراً سينهى عنه، فإذا تلى عليه القرآن الكريم تأثر فخشع قلبه واقشعرت جوارحه وانطلق ليحول هذا الكلام الغالى الجليل إلى واقع عملى فى دنيا الناس.

هذا هو الذى ينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المشهودة أى: المرئية فى الكون من عرشه إلى فرشه، فالقرآن تخشع وتتصدع له الجبال ولا تتحرك له القلوب الموات لذا قال عثمان رضى الله عنه: والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا.

هذا القرآن تصور أن المشركين فى مكة كانوا يخافون على أنفسهم من سماع القرآن تصور معى مرة أخرى أن المشركين أنفسهم كانوا يخشون على أنفسهم من سماع القرآن لماذا؟ لأن القرآن كان يصدع عناد الكفر والكبر فى قلوبهم بل فى السنة الخامسة من البعثة النبوية المطهرة انطلق النبى r إلى بيت الله الحرام ليصلى لله جل وعلا على مرأى ومسمع من صناديد الشرك والكفر، فكانوا يكرهون ذلك حتى قال اللعين أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهرنا بمعنى أيسجد محمد لربه على مرأى ومسمع منا فى الكعبة. واللات والعزى إن أتى محمد ليصلى لأطأن عنقه أى: لأضعن رجلى أو حذائى ووقف يصلى لله تعالى فلما سجد انطلق اللعين أيو جهل وهو يهيأ له أنه سيطأ عنق النبى وهو ساجد، فلما اقترب من رسول الله r عاد إلى الخلف يجرى وهو يدفع بيديه هكذا هكذا وكأنه يرد عن وجهه شيئا فلما اقترب من المشركين قالوا: ماذا يا أبا الحكم؟! لماذا رجعت لماذا جريت بهذه الصورة المزرية؟ فقال أبو جهل: إن بينى وبين محمد خندقا من نار وإنى أرى أجنحة.

فلما أنتهى النبى من صلاته قال قولته الجميلة:" والذى نفس محمد بيده لودنا- أى: لو اقترب منى- لاختطفته الملائكة عضوا عضوا".

الشاهد دخل النبى r ليصلى لله جل جلاله والمشركون ينظرون إليه بتغيظ شديد ورفع الحبيب صوته بالتلاوة فقرأ سورة النجم كاملة، وأرجو أن تتصور حلاوة وجلال القرآن وهو يخرج من فم الحبيب.

الرسول هو الذى يتلو فليست التلاوة الآن لبشر عادى يتلو والمشركون يسمعون القرآن من فم رسول الله r وقرأ النبى السورة كاملة وقرأ فى آخر السورة آيات جليلة تخشع لها الحجارة وتخشع لها الجبال والقلوب: {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ* أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (57، 61) سورة النجم. أى: ترقصون وتطلبون وتزمرون {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا*} (62) سورة النجم. وخر النبى لله ساجدا لربه.

اسمع... فلم يتمالك أحد من المشركين نفسه فخر ساجداً لله هل تتصورون هذا أيها الأفاضل.

نعم الحديث رواه الإمام البخارى فى كتاب سجود التلاوة رواه مختصراً من حديث ابن عباس رضى الله عنه: سجد r بالنجم.. أى: بسورة النجم.. وسجد معه المشركون والمسلمون والجن والأنس ([1]) .

نعم الجن : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} الجن هم الذى يتحدثون عن القرآن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1، 2) سورة الجن .

سجد النبى معه المسلمون والجن والإنس وهذا هو السر يا طلبة العلم الذى جعل المهاجرون الأوائل الذين هاجروا من بطش المشركين فرارا من مكة إلى الحبشة، هذا هو السر الذى جعلهم يرجعون يرجعون من الحبشة بعد هجرتهم الأولى لما بلغهم الخبر بأن المشركين سجدوا خلف رسول الله r ظنوا أنهم آمنوا بالله جل وعلا فعادوا إلى مكة ولكنهم عندما رفعوا رؤوسهم جميعا أنكروا ما فعلوه وما صنعوه ولكنه القرآن الذى صدع عناد الكفر فى رؤوسهم، فسجدوا جميعا لله من جلال القرآن وروعته وعظمته نعم أيها الأفاضل الوليد بن المغيرة والد فارس الإسلام وسيف الله المسلول والد خالد بن الوليد كان متعنتاً متكبراً منكرا فلما ذهب إلى النبى r ليعرض عليهم الملك والجاه والسلطان حتى يرجع إلى دين آبائه وأجداده، وقد قرأ عليه النبى (ص) آيات جليلة من القرآن الكريم قال الوليد كلماته الخالدة فى حق القرآن- والحق ما شهدت به الأعداء- قال الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو
ولا يعلى عليه.

هذا هو الصحيح هذه هى الكلمات الصحيحة وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ... هذه شهادة كافر عنيد للقرآن فلما انطلق بهذه الكلمات للمشركين قالوا: إذا صدق والله الوليد إذا لتصبأن قريش كلها وعاد حتى لا تضيع زعامته فى القوم ففكر وقدر الأمر من جميع جوانبه ثم عاد ليعلن شهادته الظالمة فى حق النبى r كما قال ربنا جل وعلا فى شأن الوليد: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا* إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}
منقول........

دعوة المظلوم للشيخ سالم أبو الفتوح 1

الأربعاء

الخوف من الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة..
اللهم صلى على سيدنا محمد علية افضل الصلاة والسلام..
تمشياً مع العلم النفسي الحديث الذي يستخدم أسلوب الاختبار النفسي لمساعدة المريض على معرفة نوع المرض الذي يعاني منه ، ارتأيت بعد أن جمعت قسماً من أقوال علماء الإسلام في دلائل الخوف من الله عز وجل أن أتبِّع هذا الأسلوب المعاصر علَّه يفيد في قياس درجة خوف المؤمن من الله عز وجل .
وقد قسَّمت هذا الاختبار إلى قسمين : القسم الأول يتناول دلائل الخوف من الله عز وجل والقسم الثاني يتناول دلائل ضعف الخوف من الله سبحانه وتعالى .

القسم الأول : دلائل الخوف من الله عز وجل
يتضمن هذا القسم الأسئلة التالية :
- هل تشعرين بالخوف عندما تفكرين بصفات الله عز وجل ؟
- هل تكثرين في دعائك من قول: " يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك " ؟
- هل منعك خوفك من الله عز وجل من أكل الحرام مع كونك كنت محتاجة ؟
- هل تشعرين بالخوف إذا تفكرت بذنوبك الماضية والحاضرة ؟
- هل كففت يوماً عن معصية خوفاً من عقاب الله عز وجل عليها ؟
- هل تقومين بالطاعة وتخافين أن لا يتقبّلها الله عز وجل منك ؟
- هل تخافين أن تموتي على غير الإسلام ؟
- هل تخافين من الموت وما وراءه من عذاب القبر وعذاب يوم القيامة ؟

إذا كانت أغلب الإجابات عن هذه القسم من الأسئلة بنعم ، فإن هذا يدلّ على أنك، إن شاء الله تعالى، تخافين لله عز وجل خوفاًً تفوزين نتيجته بالجنة بإذن الله تعالى، وذلك لوجود الدلائل التالية :
1- وَعْدُ القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة للخائف بالفوز بالجنة والنجاة من النار ، قال تعالـى : ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( ، الرحمن ، 46.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : ( قال الله عز وجل : وعزتي و جلالي لا أجمع على قلب عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) ، أخرجه ابن حِبَان .
2- اقتران الخوف بالعلم والمعرفة ، وهذان الأمران ، الخوف والعلم ، أمران متلازمان في المسار ، فكلما زاد الإنسان معرفة بالله عز وجل وصفاته ازداد خوفاً منه عز وجل ، يقول تعالى واصفاً العلماء : )إنما يخشى الله من عباده العلماء ( ، فاطر ، 28.
وقال أحد العلماء : " من كان بالله أعلم كان له أخوف " .
فإذا زاد العلم بالله عز وجل زاد الخوف منه سبحانه وتعالى وزاد الحرص على النِعم التي أنعمها الله عز وجل والتي من أهمها نعمة الإيمان إذ لو شاء عز وجل أن يبدل الكفر بالإيمان فلن يمنعه مانع ، قال تعالى : )واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه (، الأنفال ، 24.
3- اقتران الخوف من الله تعالى بالكفِّ عن المعاصي وارتكاب المنكرات ، وقد قيل في معنى الخوف من الله تعالى أنه الذي " يُشار به إلى ما يقتضيه الخوف ، وهو الكفُّ عن المعاصي ".
4- اقتران العبادات والأعمال الصالحة بالخوف من عدم القَبول ، لهذا " لو فُرض أن العبد يأتي بمقدوره كله من الطاعة ظاهراً وباطناً فالذي ينبغي لربه فوق ذلك وأضعاف أضعافه " ، فلا يغتَرَّ المسلم عندئذ بطاعته، لأن هذه الطاعة التي أتى بها لا تقابل أقل النعم التي أنعمها الله عليه .
فإذا حافظ المسلم على إيمانه وإسلامه حمى نفسَه من سوء الخاتمة ومن الموت على غير الإسلام، وعمل بذلك على تنفيذ وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام كما ورد في القرآن الكريم ، حيث قال تعالى في وصية إبراهيم ويعقوب : ) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون ( ، البقرة ، 132.

القسم الثاني : دلائل ضعف الخوف من الله عز وجل
يتضمن هذا القسم الأسئلة التالية :
- هل تعتقدين أن الله عز وجل سيُدخل الجنة كل الناس لكونه غفوراً رحيماً ؟
- هل تشعرين أنك ستدخلين الجنة مع علمك بتقصيرك في العبادات والطاعات ؟
- هل تعتقدين أنك تقومين بكل العبادات المطلوبة منك على أحسن وجه ؟
- هل تشعرين أنك لم ترتكبي في حياتك ذنوباً تستحق العقاب ؟
- هل تخافين من الناس أكثر مما تخافين من الله عز وجل ؟
- هل تشعرين أن للجنِّ والإنس قُدرة على جلب النفع ومنع الضُّر؟
- هل تخافين أن تصابي بالفقر والجوع والمرض ؟
- هل تأمنين على نفسك من سوء الخاتمة ومن عذاب القبر وعذاب جهنم ؟

إذا كانت معظم الإجابات على هذا القسم هو بالإيجاب فاحذري وخافي على دينك ، فإن خوفك من الله عز وجل خوف ناقص ويؤثر على صحة إيمانك ، وذلك لأسباب عديدة منها :
1- لن يدخل المؤمن الجنة بعمله بل يدخلها برحمة الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلـم : ( لن ينجي أحداً منكم عملُهُ ) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته ) ، رواه البخاري.
2- لن يصح إيمان العبد ما لم يخف من عقوبة الله سبحانه وتعالى على ذنبه ، فالعبد بين مخافتين "ذنب قد مضى ولا يدري ما الله يصنعُ فيه وبين أجلٍ قد بقي لا يدري ما يصيب منه من المهالك ".
3- لا يسلم الإنسان من الابتلاء في هذه الدار ، لأن من صفتها أنها دار بلاء بينما الآخرة هي دار الجزاء ، قال بعض الحكماء : " من قال لأخيه صرف الله عنك المكاره فكأنه دعا عليه بالموت إذ صاحب الدنيا لا بد له من مقاساة المكاره " .
ومما يعين المؤمن في مواجهة بلاء الله عز وجل الإيمان بالقضاء والقدر الذي يبعث الراحة والاطمئنان في القلب إذ لولا هذا الإيمان " لحدث ضغط نفسي شديد على بعض الأشخاص قد يؤدي بهم إلى أمراض عقلية خطيرة وإن أغلب إصابات الجنون لتأتي من المأزق الذي يقع فيه الشخص عندما يحار في تعليل بعض الحوادث الخطيرة التي تنزل به أو بغيره " .
4- لا يصح إيمان عبد ما لم يؤمن بأن النفع والضر والرزق والعطاء بيد الله ، وإن الجن لا يستطيعون أذية المؤمن بل هم لا يؤذون "إلا من استكان بأوهامه وتخيُّلاته لسلطانهم من ذكر أو أنثى أو يتعرض لتقبل مسّهم واستعاذته بهم والتماسه نفعهم واستخدامهم للإضرار بأعدائه من إخوانه من الإنس أو يغفل عن ذكر الله وتلاوة القرآن ويتجافى عن التحصن بالأوراد المأثورة والاستعاذات الدائمة بالله من همزات الشيطان ومن حضورهم ".
قال تعالى في هذا المعنى: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين( ، الحجر ، 42.
5- لا يصح إيمان العبد إلا بخوفه من الموت وما يسبقه من سكرات الموت وما يتبعه من خوف من عذاب القبر وخوف من أهوال يوم القيامة وعذاب النار ، فقد استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل على سكرات الموت ، وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من الاستعاذة من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ، لأن عذاب المرء الأخروي يبدأ من القبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) ،رواه الترمذي .

وفي ختام هذا الاختبار أذكرك ، كما أذكر نفسي ، بأن في الخوف من الله عز وجل أمان من كل خوفٍ آخر ، ففيما يهرب الخائف من غير الله عز وجل من الأسباب التي سببت له الخوف ، يفرّ الخائف من الله عز وجل إليه لعلمه بأن لا أمان ولا راحة ولا طمأنينة إلا معه ، اللهم اجعلنا ممن يخاف عقابك ويرجو ثوابك ، اللهم آمين .

د. نهى قاطرجي